أراء سيد إمام قبل مراجعات الجهاد

بقلم عبد المنعم منيب | 1 يناير, 2008
د. سيد امام
د. سيد امام

أخر ما كتبه الدكتور سيد إمام عبدالعزيز الشريف (منظر الجهاديين في العالم) قبل القبض عليه بيوم واحد في اليمن يوم الخميس 11 أكتوبر2001م, هو عبارة عن مسودة لبحث كتبه لتلاميذه و مريديه لكنه لم يكمله بسبب القبض عليه, و قد نشره تلاميذه و أحباؤه بعد ذلك في 31 مارس 2004م على عدد من المواقع الجهادية منها المرصد الإسلامى لياسر السرى, و موقع أوزبكستان الإسلامية و غيرهما.

و نحن إذ ننشر نص هذه الوثيقة الهامة لا نعنى بذلك أننا نوافق على ما جاء فيها, فأراؤنا شئ وما ننشره من أجل تنوير الرأى العام بما يجرى فعلا على أرض الواقع شئ ثانى, و دور الصحافة في توثيق الأحداث شئ ثالث.

و من ناحية أخرى فإن كشفنا عن حقائق فكر و دور سيد إمام قبل مراجعاته الأخيرة لا يهدف أيضا إلا لبيان الحقائق دون أدنى تحيز مع أو ضد سيد إمام أو مراجعاته التى لا شك أن لها أهميتها السياسية و التاريخية.

و يبدأ البيان الذى تضمن هذه الوثيقة التاريخية على النحو التالى:"هذا البيان كان مسودة للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز (سيد إمام عبدالعزيزالشريف) ولم يكتمل بسبب أسره في يوم الخميس 11/ أكتوبر / 2001م وتم إيداعه سجن الأمن السياسي في ظروف سيئة للغاية وحرم من القراءة والكتابة بالعاصمة صنعاء حتى تم تسليمه للسلطات المصرية في تاريخ 28/فبراير / 2004م هو وخمسة من إخوانه، وقد أحببنا أن يخرج هذا النور لتستضيء به أمة محمد صلى الله عليه وسلم في حربها ضد هبل العصر ( أمريكا ) وأعوانها من الحكام المرتدين , ويوجد نهاية البيان تعريف مختصر بالشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز, واليكم نص البيان:

"و إلى هنا تنتهى مقدمة هذه الوثيقة ثم يتبعها نص الوثيقة. و فيما يلى نعرض للوثيقة بإختصار بسيط طبعا لأن المقام لن يتسع لنشرها كلها لطولها:

يقول سيد إمام في وثيقته:

قد اهتز العالم إثر التفجيرات المدمرة التي أوقعت آلاف القتلى بأمريكا يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001م ، وأصابت أمريكا بالإهانة والإذلال ومرغت سمعتها في التراب ، وأراد الأمريكيون غسل العار ، فلم يمض شهر على ذلك إلا وقد صبت أمريكا انتقامها على أفغانستان وذلك يوم الأحد 7أكتوبر 2001م ، متهمة إياها بإيواء المسئولين عن هذه الهجمات, وقد طيّرت وسائل الإعلام المختلفة تصريحات كثيرة لرجال السياسية والدين والإعلام والعامة حول هذه الأحداث فيها كثير من المغالطات الشرعية ، بل الضلالات والكفر المبين ، التي أخشى أن تصير ديناً مقبولاً لدى الناس إذا سُكِتَ عنها خاصة مع شيوع الجهل بالدين والركون إلى التقليد ، فلزم التنبيه عليها قياماً بما أوجبه الله تعالى على كل من أوتي من علم الدين شيئاً قال تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )، وعلى هذا كان الصحابة يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا الحق ولا يخافون في الله لومة لائم.
وإنما جرى تبديل الديانات السابقة باختراع البدع والضلالات وسكوت الباقين عن إنكار المنكر، فصارت تلك الضلالات هي الدين المبدل المتبع إلى يومنا هذا عند اليهود والنصارى، حتى أنه عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على ظهر الأرض ممن يعرف الدين الحق إلا أفراد معدودون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )، ولكن هذا التبديل والتحريف لا ينتهي إليه دين الإسلام أبداً، نعم قد ظهرت البدع والضلالات على مر قرون أمة الإسلام ولكن الله تعالى قيض من يرد عليها ويكشف زيفها ويظهر الحق ليبقى الدين الصحيح قائماً ميسوراً لمن يطلب الحق ، لتبقى حجة الله قائمة على خلقه إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد نبينا صلى ا لله عليه وسلم ، وقد قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وأدعو الله جل شأنه أن يجعلنا من القائمين ببيان شيء من الحق في هذا المقام ، إنه ولي ذلك.

فأقول وبالله التوفيق من الضلالات التي شاعت في الفترة السابقة:

أولاً : الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر:وذلك لقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) فإرهاب الأعداء الكفار واجب شرعي بنص هذه الآية ومن أنكر ذلك فقد كفر لقوله تعالى ( وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ) ، فمن قال أن الإسلام برئ من الإرهاب أو أراد التفريق بينهما فقد كفر ، فالإرهاب من الإسلام ، وبهذا تعلم أن الذين يقولون إنهم يريدون أن يحاربوا الإرهاب إنما هم يريدون محاربة الإسلام على الحقيقة ، وأن مكافحة الإرهاب تعني مكافحة الإسلام ، وإنما هم يلبسون الحقائق على الجهلة .ثانياً : أمريكا دولة كافرة عدوة لله ولرسوله وللمؤمنين:قال تعالى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ...إلى قوله .. لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقال تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ) وكُفر اليهود والنصارى ـ وهم أهل الكتاب ـ من المعلوم بالدين بالضرورة كما ذكره ابن تيمية وغيره ، ومن أنكر ذلك فقد كفر . وقال تعالى( إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً ) وما دامت أمريكا كافرة عدوة فإرهابها واجب ، فكيف وقد جمعت مع الكفر محاربة المسلمين وإيذائهم والتضييق عليهم ونهب ثروات بلادهم ومساعدة كل من يحارب المسلمين من اليهود والحكام الكفرة وغيرهم .

إن أمريكا اليوم هي بلطجي العالم ، وهي أشبه شيء بقوم عاد الذين وصفهم الله بقوله ( وأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا ، أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة)، إن أمريكا تتدخل في شئون شتى دول العالم بمختلف الذرائع ، مرة بدواعي حفظ السلام أو مكافحة الإرهاب أو بدوافع إنسانية ،وهي دواعي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، أي إنسانية عند هذه الدولة المجرمة الذي أصلها مجموعة من القراصنة والمغامرين الأوربيين الذين هاجروا إلى تلك القارة وأبادوا سكانها الأصليين من الهنود الحمر ثم جلبوا العبيد من أفريقيا ليزرعوا لهم تلك القارة حتى استرقوا نصف سكان أفريقيا، فلما قضوا حاجتهم من هؤلاء العبيد أعادوا معظمهم إلى دولة ليبيريا التي أنشأوها حتى لا يشاركهم العبيد خيرات أمريكا ، أي إنسانية عند هذه الدولة المجرمة التي كانت وما زالت أول وآخر دولة تستخدم الأسلحة الذرية في الحرب إلى يومنا هذا في هيروشيما ونجازاكي ، أي إنسانية عند هذه الدولة المجرمة التي تعهد رئيسها الأسبق نيكسون بأن يعيد فيتنام إلى العصر الحجري, وهل كانت أمريكا إنسانية عندما استخدمت قنابل اليورانيوم المشع ضد العراقيين حتى أصيب أطفالهم بالتشوهات الخلقية العجيبة وارتفعت نسبة الإصابة بالسرطانات بين العراقيين . أي إنسانية عند هذه الدولة المجرمة التي هي الداعم الأساسي لليهود الذين يدمرون فلسطين وأهلها ويعيثون في الأرض فساداً.

وأي إنسانية عند هذه الدولة المجرمة التي تخطف المسلمين المجاهدين من شتى بلدان العالم وتسلمهم لبلادهم حيث يتم قتلهم أو سجنهم.

ثالثاً : خطأ القول بأن المدنيين أبرياء: تقسيم الناس إلى مدني وعسكري تقسيم حديث مخترع ليس له أصل في شريعة المسلمين ، وأما التقسيم الشرعي فهو تقسيم الناس إلى :

• المقاتلة : وهم الرجال البالغون خمسة عشر عاماً فما فوق ، هؤلاء مقاتلون شرعاً وإن لم يباشروا القتال فعلاً .

• وغير المقاتلة : وهم الأطفال دون البلوغ والنساء والشيوخ الطاعنون في السن والمرضى أمراضا مزمنة تقعدهم عن القتال من الرجال البالغين كالأعمى والأعرج والأصم ونحوهم ، وكل من قاتل من هؤلاء بقوله أو بفعله فهو من المقاتلة . وبهذا تعلم أن النساء في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ونحوها من البلدان يعتبرن مقاتلات لأنهن يجرى تجنيدهن بجيوش هذه البلدان ، ومن لم تكن بالخدمة العسكرية فهي من الاحتياط.

وهذا الذي ذكرته من أن غير المقاتلين إذا قاتلوا قُتلوا لا خلاف عليه بين الفقهاء.

فليس صحيحاً أن المدنيين أبرياء، بل معظم الرجال والنساء منهم مقاتلة شرعاً ، فكيف وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام بعد تلك التفجيرات تأييد أغلبية الشعب الأمريكي لرئيسهم الصليبي جورج بوش الإبن للقيام بعمليات انتقامية ضد أفغانستان؟ ولم يقتصر ا لأمر على الشعب الأمريكي بل تعداه إلى غيره من الشعوب الصليبية في كندا وبريطانيا وغيرها .

أما الأبرياء فعلا فهُم الأطفال منهم ومن خالطهم من المسلمين لغرض شرعي مباح من تجارة أو نحوها ، فهؤلاء لا إثم في قتلهم وأمرهم يوم القيامة إلى علام الغيوب، ودليل ذلك بالنسبة للأطفال فهو حديث الصعب بن جثامة الذي رواه البخاري ومعناه أن حكمهم كحكم أوليائهم في الكفر، وأنه لا إثم في قتلهم إذا تعذر التمييز بينهم ، وتفرع عن ذلك مسألة التترس ، وجواز قتل الترس الكافر غير المقاتل إذا احتمى به الكافر المقاتل، وهو ما يسمونه في زماننا بالدروع البشرية.

وأما المسلم الذي يُقتل بين الكفار وهو معذور ، فيبعثه الله على قدر عمله يوم القيامة ، دلّ على ذلك حديث ابن عمر المتفق عليه ( إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم) ولابن تيمية كلام مفصل بفتوى التتار بالمجلد 28 من مجموع فتاويه، وخلاصة المسألة أن اختلاط من لا يستحق القتل بمن يستحق القتل لا يمنع من قتل الجميع عند تعذر التمييز بينهم. إذن ، فليس صحيحاً أن المدنيين أبرياء ، وماذا عن الأبرياء الذين دُفنوا بالآلاف في البوسنة ؟ ، وماذا عن الأبرياء في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان وغيرها ؟! والإحصائيات تدل على أن أكثر من نصف اللاجئين في العالم اليوم هم من المسلمين ، أم أن الدم المسلم رخيص والدم الكافر غالي ؟! أم أن القتل والحزن قد كتب على المسلمين وحدهم ؟

رابعاً : تحريم الحزن على ما وقع للأمريكيين وتحريم مواساتهم: ما أن أنزل الله عذابه بالأمريكيين في هذه التفجيرات حتى سارع حكام دول العالم وقادة المنظمات وقادة بعض الجماعات الإسلامية كالإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية بدول أمريكا وكندا وأوربا إلى إعلان استنكارهم لذلك والتعبير عن حزنهم وأسفهم ومواساتهم للشعب الأمريكي ، وهذا لا يجوز في دين المسلمين . ودليله قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم ( فلا تأس على القوم الكافرين)، ولما انزل الله عذابه بأهل مدين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين قال نبيهم شعيب عليه السلام ( فيكف آسى على قوم كافرين )، فهذا دين الأنبياء تحريم الأسف والحزن على ما ينزل بالكافرين من العذاب والمصائب والكوارث والزلازل ونحوها . وكذلك فقد قال تعالى ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) فبين الله أن ما ينزل بالكفار من العذاب والخزي يشف صدور المؤمنين ، فمن كان بعكس ذلك فتأسف على ما يقع بالكفار من العذاب فليس هو بمؤمن.

خامساً: كل من تحالف مع أمريكا لمحاربة المسلمين فهو كافر: وليس هذا خاصاً بأمريكا بل كل من أعان الكفار (كمن أعان لحكام المرتدين) على محاربة المسلمين فهو كافر. ودليله قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ـ إلى قوله ـ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه)، فبين سبحانه أن من يتولى الكافرين فإنه منهم أي كافر مثلهم ، والنصرة موالاة، فكل من نصر الكفار على كفرهم أو على المسلمين فهو كافر، ويترتب على هذا كفر الحكام الذين يزعمون أنهم مسلمون ، كحكام باكستان ودول الخليج وغيرها، وهي كلها دول كافرة من قبل لأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وأما الدول الكافرة الأصلية فكفرها ظاهر، ولكنها إزدادات كفراً بمحاربة المسلمين.

وقد أجادت الدول الكافرة جرّ الذين يدّعون الإسلام إلى التحالف معها لضرب المسلمين بدعاوي مختلقة . فمنذ نحو قرن من الزمان قاد الإنجليز العرب بزعامة الشريف حسين شريف مكة وأولاده إلى حرب العثمانيين بالشام تحت اسم الثورة العربية الكبرى، وهي الخيانة العربية الكبرى حتى استولوا على بلاد الشام في عام 1916ـ1918م. فما أضاع فلسطين إلا الخيانة العربية الكبرى التي كانت وما تزال قائمة مستمرة، وفي نفس ذلك الوقت أخذ الإنجليز العراق من الأتراك بجيش قوامه من مسلمي الهند دخلوه من جهة الخليج، وخاف مسلمو الهند وقتها من حرمة قتال العثمانيين حتى أفتاهم الشريف حسين وبطانته بجواز ذلك.

فما أخذ الإنجليز بلاد المسلمين إلا بالمسلمين . وما دخلت فرنسا سوريا ولبنان عام 1920م حسب اتفاقية ( سايكس بيكو) إلا بجيش من مسلمي تونس والجزائر, وما حاربت فرنسا الجزائريين في حرب التحرير (1954ـ1962م) التي سقط فيها مليون شهيد ما حاربتهم إلا بواسطة أعوانها من الجزائريين الذين يُطلق عليهم ( الحركيون) وكان عددهم ربع مليون شخص.وما دخل الأمريكان النصارى وتمكنوا من جزيرة العرب إلا بواسطة خائن الحرمين الشريفين وبفتاوى بطانته من علماء السوء الذين أسموا جيوش النصارى الكافرة بالقوات الصديقة مخالفة للتوصيف الشرعي الصحيح تلبيساً على العامة والدهماء.

وما حاربت أمريكا العراق ودمرته إلا بجيوش مصر وسورية الذين يزعمون الإسلام، وما زالت أمريكا تضرب العراق بطائرتها التي تنطلق من الدول التي يسمونها إسلامية كالكويت والسعودية وتركيا. وقديماً ما تمكن الصليبيون من ساحل الشام في الحروب الصليبية الأولى إلا بخيانة أمراء مدن الشام وتحالفهم مع النصارى، وما سقطت الأندلس في أيدي النصارى إلا بخيانة ملوك الطوائف وتحالفهم معهم. وفي كل مرة يربح الكفار ويخسر المسلمون.أما دول الخليج فتساعد أمريكا مساعدة العبد التابع للسيد، فأمريكا هي المسئولة عن حماية عروشهم، فقد عاش حكام هذه الدول ملوكاً على شعوبهم عبيداً لأسيادهم الإنجليز بالأمس والأمريكان اليوم، وكان يجري تقرير مصيرهم بواسطة نائب ملك الإنجليز بالهند منذ قرن ، واليوم في واشنطن .

والخلاصة أن كل من تحالف مع الكفار ـ كأمريكا وغيرها ـ لمحاربة المسلمين فهو كافر.

سادساً : خطأ تسمية الدول الغربية بالعالم المتحضر: تسمى أمريكا والدول الأوروبية أنفسها بالعالم المتحضر ، وغرّهم في ذلك تقدمهم في العلوم الدنيوية والتكنولوجيا ، وقد اغتر بذلك الكفار في كل زمان كما قال تعالى(أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض ، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون . فلما جاءتهم رسلهم بالبيات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ). والصحيح أن هذه الدول الكافرة هم أهل الضلال والظلمات كما قال تعالى (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات). فتسميتهم أنفسهم بالعالم المتحضر هو من باب قلب الأسماء وعكسها ، كما قال تعالى ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) في حين وصفهم الله تعالى بالمغضوب عليهم والضالين، فليس صحيحاً أنهم العالم المتحضر بل هم أهل الضلال والظلمات والنجاسات وهم أولياء الشيطان ومملكة إبليس.

سابعاً : الشرعية الدولية طاغوت معبود من دون الله: شاع لفظ الشرعية الدولية وردده الكفار وتبعهم المسلمون خاصة منذ غزو العراق للكويت عام 1990م، وفي هذا الوقت كان الاتحاد السوفيتي قد انهار وانفردت أمريكا بزعامة العالم ، وأصبحت الشرعية الدولية هي إرادة أمريكا وقرارها في الحقيقة ، ولكنها لا تصدره من البيت الأبيض بواشنطن بل من مجلس الأمن بالأمم المتحدة بنيويورك ، ذلك المجلس الذي يجمع الخمسة الأنجاس الكبار، وإذا أرادت أمريكا توسيع الدائرة في أمر من الأمور جمعت له تحالفا أوسع كما في التحالف الثلاثيني على ضرب العراق ، وكما تحزب الأحزاب اليوم لضرب أفغانستان ، حتى لا تظهر أمام العالم أنها منفردة بالقرار بل انه قرار أجمعت عليه دول العالم أو أغلبها ومن هنا تسمية بالشرعية الدولية. وهذه الشرعية الدولية إنما تطبق على الضعفاء فقط فتضرب بها العراق وأفغانستان وتحاصر بها ليبيا والسودان ، أما الأقوياء والمقربون كإسرائيل فلا تطبق عليها قرارات الشرعية الدولية. ولا يجوز لمسلم فرداً كان أو دولة أن يقر بهذه الشرعية أو يطالب بتطبيقها أو احترامها، إذ أن هذا كله كفر أكبر مُخرج من ملة الإسلام، فكيف وهذا الكلام يردده بعض المشايخ ويقلدهم العامة فيه متابعة لملوكهم أو رؤسائهم؟. وبيان ذلك أن الشرعية الدولية هي في حقيقتها أحكام يضعها أناس كفرة بأهوائهم غير متقيدين في ذلك بشريعة الإسلام، ويفرضونها على العالم فهي بذلك طاغوت يحكم ويتحاكم إليه من دون الله، كما قال تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) فهذا نص في أن كل ما يتحاكم إليه مما يخالف شرع الله فهو طاغوت، ومن تحاكم إليه فقد عبده وآمن به، ألا ترى إلى قوله تعالى (وقد أمروا أن يكفروا به) بما يعني أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به يناقض الكفر به، وكذلك فإن كل من تحاكم إلى شيء فقد عبده الا ترى إلى قوله تعالى (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) فبين أن إفراد الله بالحكم والتحاكم من عبادته المأمور بها, فلا يصح إسلام المرء إلا بالكفر بالطاغوت كما قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)ويدخل في طاغوت الحكم: الشرعية الدولية المزعومة، والقوانين الوضعية، والدساتير الوضعية، وكل من وضعها أو حكم بها, فكل من تحاكم إلى هذه أو رضيها فهو كافر. وكل من قاتل في سبيل الشرعية الدولية فهو كافر لقوله تعالى (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت).

ثامنا: القوانين الوضعية دين جديد من شرعها أو عمل بها فقد كفر: الدين ـ في أحد معانيه ـ هو نظام حياة الناس وشرعهم حقاً كان أو باطلاً، ويدل عليه قوله تعالى (قل يا أيها الكافرون) الى أخر السورة, فسمي ما هم عليه من الكفر ديناً، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، فبين أن غير الإسلام يُسمى ديناً ولكنه غير مقبول. ولما كانت القوانين الوضعية هي نظام حياة الناس وشرعهم في البلاد المحكومة بها فهي دينهم، وهم بذلك كافرون لاتباعهم غير الإسلام ديناً، وإن زعموا أنهم مستمسكون من الإسلام بشيء، فهم مثل كفار العرب في الجاهلية كانوا مستمسكين من دين إبراهيم عليه السلام بشيء إذ كانوا يحجون البيت, وهؤلاء وأولئك من الذين قال الله فيهم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون), يعبدون الله بالصلاة والصيام ويعبدون جستنيان ونابليون في الحكم والتشريع، وهم كفار بذلك: ويدل عليه قوله تعالى (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) فتحكيم القوانين إيمان بالطاغوت وعبادة له. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى ( ولا يشرك في حكمه أحداً )، وفيها نهى الله عن اتخاذ شريك له في الحكم، فمن تحاكم إلى غير شرعه فقد اتخذ شريكاً لله في الحكم. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) وهو نص صريح في كفر من ترك حكم الله وحكم بغيره كالحاكمين بالقوانين والدساتير الوضعية والشرعية الدولية، وقد نزلت هذه الآية في اليهود الذين يزعمون الإيمان ولكنهم لم يحكموا بما فرضه الله عليهم من واخترعوا حكماً بديلاً عن ذلك، فحكم الله بكفرهم بذلك، ونص الآية من صيغ العموم يندرج تحته كل من فعل ذلك، والواقع اليوم ببلاد المسلمين هو نفس صورة سبب نزول هذه الآية: قوم يزعمون الإيمان والإسلام وتركوا أحكام الله وحكموا بشرع مخترع، فالذين يحكمون بغير ما أنزل الله اليوم هم كافرون قطعاً . ولا تنخدع بمن يقول لك إنه كفر دون كفر أو كفر أصغر غير مخرج من الملة، فإن ما ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما من ذلك إنما هو أثر ضعيف لكونه مما انفرد به هشام بن حجير، ولو صحّ ذلك عن ابن عباس لكان مردوداً، لأنه عارضه غيره من الصحابة و قول الصحابة ليس بحجة إذا إختلفوا.

والكفر في الآية جاء معرفاً بال ( الكافرون ) فهو الكفر الأكبر, وكل هذه قواعد أصولية متفق عليها. كما ولا تنخدع بمن يقول لك إن الكفر في هذه الآية هو الأكبر ولكنه في حق المستحل، فإن هذه من الأخطاء التي يتناقلها الناس في كتبهم بغير دليل وبغير تبصر، بل بمحض التقليد، فهذه من مقالات غلاة المرجئة تسربت إلى كتب الفقهاء، ويردها إجماع الصحابة على أن الذنوب المكفرة بذاتها يكفر فاعلها بمجرد فعلها بدون النظر في الجحد أو الاستحلال وذلك كترك الصلاة كما نقله ( ابن القيم في كتابه [الصلاة])، أما الذنوب غير المكفرة بذاتها كشرب الخمر فلا يكفر فاعلها إلا إذا استحلها كما أجمع عليه الصحابة، والذنوب المكفرة بذاتها هي التي دل على كفر فاعلها النص الشرعي السالم من المعارضة ومنها الحكم بغير ما أنزل الله.

كما لا شك أن ما نحن فيه اليوم هو صريح الاستحلال، الذي هو النص على أن ما حرمه الله حلال وجائز، فهم يُجيزون الحكم بالقوانين الوضعية بل يوجبونه وهو محرم قطعا. وإذا كنت قد قلت أن القوانين الوضعية دين جديد فلا يعني هذا كفر جميع أهل البلاد المحكومة بها، بل الكافرون هم المشرعون لها والآمرون بالحكم بها والحاكمون بها ومن رضي بالتحاكم إليها. ولا أعلم بلداً سلم من الحكم بالقوانين الوضعية لا السعودية ولا غيرها.

وخلاصة هذه المسألة أن تعلم أن البلاد التي تزعم أنها إسلامية وتريد أن تجرها أمريكا للتحالف لضرب أفغانستان أنها دول غير إسلامية من قبل لحكمها بغير ما أنزل الله. ويجب الخروج علي حكامها وخلعهم ونصب حكام مسلمين فيها، فيجب على كل مسلم أن يسعى في ذلك، ومن قعد فعليه الوزر إلا أصحاب الأعذار الشرعية، ومن رضي بهم فهو منهم.

تاسعاً: الديمقراطية دين جديد ومن اتبعها أو دعا إليها فقد كفر: اشتدت سطوة الملوك تؤيدهم الكنيسة على الشعوب في دول أوروبا في القرون الوسطى ، فكفر الناس بالملوك وبالكنيسة وبرب الكنيسة حتى قال فيلسوفهم (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) وتخلص الناس من الكنيسة ودينها ، ووضعوا قوانينهم بأنفسهم حسب ما يروق لهم ويبدلون فيها وقت ما يشاءون."

إلى هنا إنتهى عرضنا لمسودة أخر بحث كتبه سيد إمام ولم يتمه قبل القبض عليه كما هو متداول بين تلاميذه في سائر بقاع الأرض, و هو يعطى فكرة للقراء و الباحثين عن فكر سيد إمام قبل مراجعاته الأخيرة التى دشنها في بحثه الأخير "و ثيقة ترشيد العمل الجهادى في مصر والعالم", و يلاحظ أننا لم نزد فيها أى شئ بما في ذلك العناوين الجانبية المرقمة من "أولا" إلى "تاسعا" فهى نص كلام سيد إمام كما ورد في الوثيقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الموضوع كتبته لجريدة الدستور المصرية اليومية و تم نشره فيها يوم 28 ديسمبر2007م